أدرار ... حين تصبح المهرجانات الثقافية أضواء عابرة لا تنمية باقية

بواسطة mohamed

بين كثبان الرمال وعبق التاريخ، تتزين قرى ولاية أدرار كل عام لاستقبال مهرجانات ثقافية تحتفي بالموروث الشعبي والتقاليد الضاربة في عمق الصحراء. 

ورغم ما تحمله هذه المناسبات من حيوية وقتية، فإن السؤال الكبير الذي يطرحه السكان بمرارة هو: ماذا يتبقى بعد انطفاء الأضواء؟

في مدن مثل شنقيط، وادان، أوجفت وأطار، تُنظم سنويًا مهرجانات ضخمة تجذب الإعلام والسياح، وتُقدم على أنها منصات لإبراز تنوع الثقافة الموريتانية. 

إلا أن الميدان يكشف صورة مغايرة: قرى تعاني من نقص الخدمات الأساسية، مدارس متهالكة، ومراكز صحية بلا تجهيزات، فيما تُصرف الملايين على حفلات وأمسيات لا تترك خلفها سوى صور على مواقع التواصل.

احتفالات لا تُداوي الواقع

يقول محمد ولد سالم، أستاذ في اوجفت، إن "الميزانيات التي تُرصد لمهرجانات أدرار، لو وُجه جزء منها لترميم مدرسة واحدة أو دعم تعاونية نسوية، لكان الأثر أعمق من عشرات الحفلات".
وفي حديث مع إحدى السيدات من تعاونية خياطة محلية، أشارت إلى أن "المهرجانات تستعين بنا للعرض، لكن لا أحد يسأل إن كانت لدينا ماكينات أو تمويل نعمل به بعد انتهاء الحدث".

منصة للدعاية أم رافعة للتنمية؟

بحسب معطيات حصلت عليها اوجفت نيوز من مصادر داخلية في وزارة الثقافة، فإن بعض مهرجانات أدرار تتلقى دعمًا حكوميًا وخارجيًا كبيرًا، دون أن يُربط ذلك بخطط تنموية مرافقة. 

"تُنظم الأمسيات، تُعزف الموسيقى، يُكرم الفنانون، ثم يعود كل شيء إلى سكونه"، يقول ناشط مدني من أطار.

المشكلة لا تكمن في الاحتفال بالثقافة، بل في اختزال التنمية في بضعة أيام من الرقص والغناء، دون أي برامج مرافقة: لا قوافل صحية، لا مبادرات تعليمية، ولا تمويل حقيقي للتعاونيات أو الحرفيين المحليين.

دعوات لإعادة توجيه البوصلة

يطالب كثيرون بإعادة صياغة فلسفة المهرجانات الثقافية، لتصبح رافعة اقتصادية وتنموية لا مجرد مناسبة استهلاكية. 

يمكن لذلك أن يتحقق عبر:

  • تخصيص جزء من الميزانيات لدعم التعاونيات النسوية بمعدات إنتاج.
  • مرافقة المهرجانات بقوافل طبية وتعليمية.
  • دعم المتفوقين دراسيًا وتوفير منح محلية.
  • إدماج الشباب في تنظيم وتسيير الفعاليات لخلق فرص عمل مؤقتة ذات أثر.

خلاصة: الثقافة ليست مجرد عرض

إن الثقافة لا يجب أن تكون مجرد ليالٍ صاخبة تلتهم الأضواء وتذوب في آخر النغمات، بل ينبغي أن تتحول إلى أدوات بناء حقيقية. 

حين تُنفق الأموال باسم القرى، يجب أن تظل فيها آثارها مركز صحي، فصل دراسي، أو ورشة إنتاج.

أما حين تنطفئ الأضواء ويعود الصمت المعتاد، دون أن يبقى أثر، فالمهرجانات لا تكون إلا وهماً جميلاً... لا يُطعم خبزًا.