العطلة في الداخل... قراءة أخرى

بواسطة mohamed

كثر اللغط في الفترة الأخيرة عن قضاء العطلة السنوية في الداخل بعد دعوة الرئيس ولد الغزواني العاملين معه من رجال ونساء الصف الأول والثاني والثالث إلى ذلك، وقد قوبلت دعوة ولد الغزاني هذه بالتجاوب والحماس من رجالات الدولة وغيرهم من الطامعين والأبواق الذين يعلقون الآمال على غزواني ونظامه، فشدوا الرحال جميعا إلى الداخل؛ حيث مساقط رؤوسهم والناس الذين لم يكونوا يعرفونهم إلا في المواسم الانتخابية   
 في ملتي واعتقادي أن دعوة ولد الغزواني هذه جاءت لهدف غير معلن وهو التستر على الأرصدة المالية الكبيرة والعقارات الكثيرة التي يملكها هؤلاء المسؤولون في الخارج، والتي يمكن اعتبار قضاء العطلة في الخارج وشاية بها وتلميح إليها؛ فالذي يذهب إلى الخارج؛ حيث غلاء المعيشة لا بد أنه قد أمّن وسائل الراحة وأسباب الإقامة المترفة من نوع ما تعود عليه هؤلاء هناك، وأمّنه من ماذا؟ من سرقة ونهب واختلاس المال العام 
 إن ذلك – في نظري – هو الأساس الفكري الذي تنطلق منه دعوة المسؤولين لقضاء عطلهم في الداخل؛ بمعنى كأنه يقول لهم: أنتم يأيها المسؤولون تعرفون مقدار النهب والسرقة الذي تورطتم فيه وتعرفون حجم الأموال والممتلكات التي عندكم في الخارج فلا تذهبوا إلى هناك حتى لا تنكشفوا؛ فذهابكم هناك هو بمعنى من المعاني يحمل وشاية من نوع ما فابتعدوا عنه وغيروا الوجهة إلى الداخل لعلكم تطمسون الأثر! 
 وبطبيعة الحال فإن أبواق النظام والمسبحين بحمده سوقوا هذه الدعوة كثيرا وأعطوها مداليل وأبعادا طوباوية لا تهمنا فكلها هراء ودعاية لشيء باهت لا أهمية له، وقد كان من الأحسن لهم والأريح لضمائرهم إذا كانت لهم ضمائر أن يكاشفوا النظام ويواجهوه بأخطائه وهفواته التي لا تنتهي، ومن ثم يتوبون إلى الشعب من تزكية نظام لا مستساغ لتزكيته 
 لقد حل المسؤولون بعد قطيعة طويلة وتنكر فظيع للسكان المحليين ضيوفا على ناس بسطاء طيبين فاستغلوا طيبوبتهم وأخذوا معهم الصور؛ ليعملوا بها دعاية لأنفسهم، وهي دعاية ما تلبث أن تتساقط كما تتساقط ورقات التوت؛ إذ لا تعتمد على سند حق يعضدها ويحميها من التهاوي والسقوط؛ فالناس لكي يكون لثقتهم معنى في من يتولى أمورهم يجب أن تكون هناك إنجازات ملموسة وخدمات مرئية يستفيدون منها في حياتهم اليومية 
 ولعلي قد سبق أن علّقت في منبر غير هذا على صور تم تداولها للرئيس مع مجموعات من الفقراء معظمهم من النساء والأطفال، وقلت – في ما قلت وقتها – أنه كان حريا بالرئيس قبل أن يلتقط صورا مع هؤلاء أن يسترجع لهم أموالهم وممتلكاتهم التي نهبتها زبانيته، وكان حريا به قبل أن يأخذ معهم الصور أن يوفر لهم الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وسكن ومعاش 
هذا الداخل الذي ذهبتم إليه هذه السنة يا فخامة الرئيس ويا أصحاب المعالي الوزراء هو نقطة ارتكاز الفقر في البلاد، ففقراء البلد الذين يبلغون ربع سكانه حسب الإحصاءات الرسمية جلّهم من أهل هذا الداخل، ثم إن خدمات الصحة والتعليم والماء والكهرباء في هذا الداخل متدنية جدا كمّا وكيفا حتى تكاد تصل إلى درجة الصفر؛ فما هي المشاريع الكبرى التي جئتم تحملونها إليه يا ترى؟ 
 لا بد أنكم يا فخامة الرئيس ويا أصحاب المعالي الوزراء لاحظتم رداءة الطرق وفهتم لماذا هذا الارتفاع الصاروخي في معدلات حوادث السير التي يموت جراها عشرات المواطنين أسبوعيا 
 أعرف أنكم يا فخامة الرئيس ويا أصحاب المعالي الوزراء تقضون راحاتكم بشكل مختلف عن الناس؛ حيث البذخ والحياة المخملية التي لم يألفها ولم يألف قريبا منها حتى غيركم من ساكنة الداخل، ولكنني أراهن على أن هناك بعض الناس الذين لا يزالون على الفطرة سيصارحونكم متى ما أتحتم لهم الفرصة بواقع حياتهم وما فيها من قسوة وصعوبة أنتم السبب الأول فيها! 
 إن قضاء عطلة هؤلاء الـ ... في الداخل مهم علي أية حال للدورة الاقتصادية المحلية، ومهم من ناحية أخرى ليروا واقع وبؤس الحياة في الداخل وحجم معاناة المواطنين هناك {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} 
 مما لفت انتباهي من مظاهر البذخ المواكبة لهذه المناسبة هذه المهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة والفنون في ولايات الداخل، ولا شك أن الثقافة مهمة بما هي هوية وبنية فوقية لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن الأمر – حسبما يتراءى لي – دعاية واستعراض واستنزاف للمال أكثر من أي شيء آخر  
 كان بإمكان وزارة الثقافة لو أرادت أن تخدم الثقافة حقا أن تنظم معارض دولية للكتاب تشارك فيها دور نشر كثيرة وتسمح للمثقفين والقراء بامتلاك الكتب النادرة، وتحيي فيهم عادة القراءة والمطالعة من جديد 
 كان بإمكان وزارة الثقافة لو أردت أن تخدم الثقافة حقا أن تكون لديها لجان تأليف وترجمة، وأن تكون لديها إصدارات دورية في مختلف المجالات الثقافية والأدبية والفنية... 
 كان بإمكان وزارة الثقافة لو أرادت خدمة الثقافة حقا أن ترصد جائزة للإبداع والتميز في الأدب والفن وفي الثقافة بشكل عام 
 كان بإمكان وزارة الثقافة لو أرادت خدمة الثقافة حقا أن تكون لها دور ثقافة مفعلة في عواصم الولايات تقوم بما يلزم من الداخل وفي الداخل بدل أن تذهب الوزارة بخيلها ورجلها إلى ولايات الداخل من أجل عمل مهرجان هزيل ليس له عائد يذكر على الثقافة والمثقفين ولا على الساكنة المحلية؛ إنه – ببساطة – هدر للمال العام مقابل لا شيء! 
الشيخ ولد باباه اليدالي 
نواكشوط، بتاريخ: 24/ 8/ 2025