في واحات آدرار، لا تُقاس التمور فقط بالحجم أو المذاق، بل أيضًا بما تحمله من رموزٍ خفية ودلالات تتجاوز كونها غذاءً، لتتحول إلى مؤشرات دقيقة على جودة العناية بالنخيل وحرص المزارع على "توقيت الخدمة".
من بين هذه العلامات، يبرز نوع فريد من التمور يُعرف محليًا باسم "ألَخْصْ"، وهو تمر موسمي يظهر في أواخر فصل "الكيطنه"، أي ما بين شهري أغشت وسبتمبر، ويتميّز بخصائص لا تخطئها أعين أبناء الواحة.
ما يجعل "ألخص" مثيرًا للاهتمام، ليس فقط كونه تمرًا بلا نواة –وهو أمر نادر في عالم النخيل– وإنما لأنه يُعتبر انعكاسًا مباشرًا لمستوى العناية الذي حظيت به النخلة. فهو غالبًا ما يكون نتاجًا لـ"اتجنكير" متأخر أو ناقص، أي لتأخر أو سوء عملية التلقيح، مما يجعل ظهوره مؤشرًا حسيًا على تقصيرٍ ما في تدبير الموسم الزراعي.
ورغم أن "ألخص" لا يرقى في قيمته إلى التمور الكاملة من حيث الوفرة أو المعايير التسويقية، إلا أن له طعمه الخاص وحلاوته الهادئة، التي تجعل منه ضيفًا خفيفًا على الموائد، وعلامةً دقيقة على يقظة الفلاح من غفلته.
وفي المقابل، تُنتج بعض النخيل تمورًا تُعرف بـ"أملخصي"، وهي نادرة، كبيرة الحجم، وعالية الجودة، تُثمر في العرش ذاته، لكنها تأتي فقط عندما تُؤدى الخدمة كاملة وبإتقان.
أبعد من الزراعة... لغة النخيل الصامتة
تتجاوز العلاقة بين الإنسان والنخلة في الواحات كونها علاقة إنتاج واستهلاك، لتصبح لغة متبادلة تُخبر عن العناية والإهمال، وتُسجّل صامتةً مدى حضور الإنسان في موسمه، أو غيابه عنه.
ويعلّق أحد مزارعي آدرار:
"النخلة ما تخفي شي، تعطيك على قدر ما تعطيها. إن نسيتَها، نسيتْك... وإن خدمتَها في وقتها، كافأتك تمراً مباركاً."
في هذا السياق، يظل "ألخص" ليس مجرد تمرٍ مختلف، بل وثيقة زراعية ناطقة عن حال الموسم، وشاهدًا صامتًا على ما إذا كانت يد الفلاح قد أمسكت بزمام النخلة أم أفلتته دون قصد.