في خطوة جديدة ضمن الجهود الحكومية الرامية لتعزيز الأمن الغذائي ومواجهة آثار الشح الغذائي في البلاد، أشرفت معالي مفوضة الأمن الغذائي، السيدة فاطمة بنت خطري، صباح السبت، على إطلاق برنامج المخازن القروية للأمن الغذائي (بنوك الحبوب) من مقاطعة أوجفت بولاية آدرار، مستهدفة من خلاله آلاف الأسر الهشة في الولايات الشمالية لموريتانيا.
ويأتي البرنامج في إطار الخطة الوطنية للاستجابة للوضعية الغذائية لعام 2025، التي أعدتها الحكومة استنادًا إلى بيانات علمية ومنهجية تشاركية، لضمان دقة الاستهداف وفعالية التدخلات الاجتماعية، لا سيما في المناطق الريفية المتأثرة سلبًا بموسم الجفاف وقلة المحاصيل.
569 بنكًا للحبوب... و2845 طنًا من المواد الغذائية
البرنامج الطموح يشمل إنشاء 569 بنكًا للحبوب موزعة على خمس ولايات شمالية هي: آدرار، داخلت نواذيبو، تگانت، تيرس الزمور، وإينشيري. وتزود هذه المخازن بـ2845 طنًا من المواد الغذائية الأساسية، تشمل الأرز، السكر، وزيت الطهي، على أن تباع هذه المواد للمواطنين المستهدفين بأسعار مدعومة، بعيدًا عن المضاربات وارتفاع الأسعار.
وقد تم تحديد حصص الولايات المستفيدة على النحو التالي:
- آدرار: 144 بنكًا – 720 طنًا
- داخلت نواذيبو: 105 بنوك – 525 طنًا
- تگانت: 154 بنكًا – 770 طنًا
- تيرس الزمور: 105 بنوك – 525 طنًا
- إينشيري: 61 بنكًا – 305 أطنان
وتتولى لجان تسيير محلية، يتم اختيارها من طرف السكان، إدارة المخازن بإشراف السلطات الإدارية والمنتخبين المحليين، في تجربة تكرّس مبدأ الحوكمة التشاركية المحلية في إدارة المشاريع التنموية.
رسالة المفوضة: الأمن الغذائي أولوية رئاسية
في كلمتها أمام سكان أوجفت، شددت المفوضة فاطمة بنت خطري على أن هذا التدخل هو أحد أول مكونات خطة الاستجابة الوطنية التي أطلقتها الحكومة، تنفيذًا لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وضمن إطار برنامجه الانتخابي "طموحي للوطن"، القائم على ضرورة تحديد احتياجات المواطنين بدقة، والتجاوب معها دون تأخير.
وقالت المفوضة:
"ما نقوم به اليوم ليس مجرد توزيع للغذاء، بل هو استثمار في صمود المجتمعات الهشة، وتفعيل لرؤية الدولة في ترسيخ العدالة الاجتماعية، خاصة في أوقات الأزمات."
وأكدت بنت خطري أن مكونة بنوك الحبوب تمثل مجرد بداية، وستتبعها تدخلات أخرى تشمل التوزيعات المجانية والتحويلات النقدية في جميع ولايات الوطن، حسب درجة تأثر كل منطقة بالوضعية الغذائية.
صوت الشمال: إشادة شعبية ومطالب محلية
من جهتهم، عبّر المسؤولون المحليون وسكان مقاطعة أوجفت عن ارتياحهم الكبير لإطلاق البرنامج من بلدتهم، حيث قال رئيس المجلس الجهوي لولاية آدرار، السيد محمد ولد الشريف عبد الله، إن هذه المبادرة تمثل دعمًا حقيقيًا للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، مثمنًا تدخلات المفوضية المستمرة.
أما عمدة بلدية أوجفت، السيد السني عبداوه، فقد أكد أن هذا البرنامج سيحسن الظروف المعيشية لسكان المقاطعة، مطالبًا بتوسيعه مستقبلًا ليشمل خدمات تنموية أخرى.
وتحدث عمدتا المداح وانترگنت عن أهمية الاستمرارية والرقابة، مقدمين جملة من المطالب التنموية، تعهدت المفوضة بإحالتها للجهات المعنية.
زيارات ميدانية واجتماع تنسيقي
وقبل الإشراف الميداني، ترأست المفوضة اجتماعًا في عاصمة ولاية آدرار مع السلطات الإدارية والمنتخبين المحليين، خصص لشرح أهداف وآليات البرنامج، وبحث السبل الكفيلة بضمان فعالية التطبيق.
كما قامت بجولة تفقدية للمخازن المركزية في الولاية ومقاطعة أوجفت، حيث حثّت المشرفين على ضمان جودة التخزين وسلامة المواد الغذائية، لما لذلك من أهمية في تحقيق أهداف المشروع.
خطة وطنية بروح محلية
برنامج بنوك الحبوب ليس مجرد عملية توزيع مواد غذائية؛ بل يمثل نموذجًا لتدخل حكومي متكامل، يعكس تصميم الدولة على تقليص آثار الأزمات المناخية والاقتصادية على أكثر فئات المجتمع هشاشة، من خلال تدخلات موجهة، تعتمد على إشراك السكان المحليين، وتحت إشراف مباشر من مفوضية الأمن الغذائي.
ومع انطلاق البرنامج من قلب الشمال، يبقى الرهان على حسن التسيير المحلي والمتابعة الحكومية لضمان أن تتحول هذه المخازن من مجرد بنوك حبوب إلى قلاع صمود غذائي، تعيد الطمأنينة إلى آلاف الأسر عبر موريتانيا.