موريتانيا في مواجهة خطر المخدرات – من التعتيم إلى المواجهة

بواسطة mohamed

في السنوات الأخيرة، دخلت موريتانيا منعطفًا جديدًا في خريطة التحديات الأمنية والاجتماعية التي تهدد استقرارها، إذ لم تعد البلاد مجرد معبر للمخدرات في طريقها إلى أسواق خارجية، بل تحوّلت إلى ساحة استهلاك نشطة ومقلقة، يزداد فيها وقع الخطر يوماً بعد يوم.

من العبور إلى الاستهلاك

حتى مطلع الألفية الجديدة، كانت المخدرات في موريتانيا تُصنّف ضمن القضايا المسكوت عنها، إما بسبب ضعف الوعي الشعبي أو لضآلة حجم الظاهرة.

 إلا أن الصورة تغيّرت بشكل جذري خلال العقدين الماضيين، حيث انتقلت المواد المخدرة من مجرد "سلعة عابرة" عبر حدود البلاد، إلى مادة استهلاكية منتشرة في أوساط واسعة، تستهدف بالدرجة الأولى فئة الشباب.

ويعود هذا التحول جزئيًا إلى موقع موريتانيا الجغرافي، حيث تشكل جسراً بين إفريقيا جنوب الصحراء وشمال القارة، مما يجعلها جزءًا من مسارات التهريب الكبرى.

 لكن اللافت أن هذه المسارات لم تعد تمر فقط، بل بدأت تفرغ حمولتها وتجد لها سوقًا محلية، تغذيها عوامل متعددة مثل الفقر، البطالة، وضعف الرقابة، وغياب الردع الكافي.

المخدرات.. من النشاط السري إلى الآفة المجتمعية

تحوّلت تجارة المخدرات في موريتانيا من نشاط سري تمارسه شبكات صغيرة إلى ظاهرة معقدة ومتشعبة. 

الأخطر في هذه الظاهرة أنها لم تعد تقتصر على عصابات منعزلة، بل دخلت في نسيج المجتمع، وتورطت فيها أحيانًا أسر كاملة، بل وأحياء بكاملها توصف بأنها "معاقل" للاتجار أو الاستهلاك.

وباتت العاصمة نواكشوط وبعض المدن الكبرى، مثل نواذيبو وروصو، تسجل حالات متزايدة من الاعتداءات، والسرقات، وجرائم العنف المرتبطة بتعاطي المخدرات. 

كما تزايدت تقارير الجهات الأمنية والصحية عن تورط مراهقين وحتى أطفال في شبكات الاستهلاك أو الترويج.

تداعيات أمنية واجتماعية خطيرة

انتشار المخدرات لا يؤثر فقط على السلامة الفردية، بل يعيد رسم خريطة الجريمة في البلاد. 

فقد ربطت تقارير أمنية متزايدة بين تصاعد حالات العنف، وحوادث السير، والاغتصاب، والقتل، مع تعاطي المواد المخدرة. 

هذه الجرائم باتت تشكّل مصدر قلق دائم للمواطنين، وتضغط بشدة على الجهاز الأمني والنظام القضائي.

وتعاني الأسر الموريتانية من تداعيات مباشرة وغير مباشرة لهذه الظاهرة,  حيث يسجل تفكك الروابط الأسرية، وتزايد حالات الطلاق، وتراجع الأداء الدراسي للتلاميذ، خاصة في المناطق التي تُعدّ بؤرًا لترويج أو استهلاك المخدرات.

تهديد للنسيج المجتمعي والتنمية

الآثار السلبية لتعاطي المخدرات لا تتوقف عند الأمن والعدالة, فصحة الأفراد تتدهور، وتنتشر الأمراض النفسية والعضوية، ويتراجع الإنتاج المجتمعي العام. 

ويُعدّ الشباب، الذين يشكلون غالبية سكان البلاد، أكثر الفئات تضررًا، مما يشكّل تهديدًا مباشرًا لمستقبل التنمية والاقتصاد الوطني.

ومع غياب مراكز تأهيل كافية، وضعف الاستثمار في برامج الوقاية والعلاج، يبقى الأفق قاتمًا أمام آلاف المدمنين الذين يواجهون مصيرهم في صمت أو في دوائر التهميش الاجتماعي.

نحو استراتيجية وطنية شاملة

أمام هذا الوضع المقلق، يرى الخبراء أن الحل لا يمكن أن يكون جزئيًا أو آنياً, بل يتطلب خطة استراتيجية وطنية شاملة، تبدأ بكسر حاجز الصمت المجتمعي، ورفع الوعي، وخاصة في أوساط الشباب.

يجب أن تشمل هذه الخطة محاور متعددة، من بينها:

  • التوعية الإعلامية والتربوية بخطورة المخدرات وآثارها؛
  • تحديث وتطبيق صارم للتشريعات المرتبطة بالاتجار والتعاطي؛
  • إنشاء مراكز تأهيل وعلاج للمساعدة على التعافي والاندماج؛
  • تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة شبكات التهريب والمنظمات العابرة للحدود.

ختاما

إن خطر المخدرات في موريتانيا لم يعد افتراضًا أو تهويلاً إعلاميًا، بل أصبح واقعًا معاشًا يفرض نفسه بقوة على كل مناحي الحياة. 

وإذا لم تتم مواجهته بجدية، فإن تداعياته لن تقف عند الفرد أو الأسرة، بل ستهدد استقرار الوطن ومستقبله.

هل ينبغي أن ننتظر أكثر من ذلك حتى نعتبر المخدرات عدواً حقيقياً؟ أم أن الوقت قد حان لتحرك عاجل، تبدأه الدولة ويكمله المجتمع؟