خمسيني يعود لمقاعد الدراسة... الدروس والعبر / عالي أعليوت

بواسطة mohamed

في زمن بات فيه التعلم لصيقا بالشباب وحدهم، تبقى بعض القصص الشخصية دليلا حيا على أن الطموح لا يعرف سنا، والإرادة لا تقف عند عتبة العمر. من بين هذه التجارب التي تستحق أن تُروى، قصتي أنا، رجل في الخمسين من عمره، قررت أن أعود إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع تجاوز عقدين من الزمن، لأسلك طريقا أكاديميا جديدا نحو شهادة الماجستير في تسيير المشاريع. 

قرار لم يكن سهلا، لكنه كان تعبيرا صادقا عن صلابة الإرادة في مواجهة التحديات.

لم يكن بلوغ الخمسين مجرد رقم عابر، بل هو مرحلة يتراكم فيها رصيد التجربة ومسؤوليات الأسرة والعمل، مما يجعل التفكير في العودة إلى الجامعة واستكمال الدراسات العليا مغامرة في نظر الكثيرين. 

هو تحدٍّ نفسي واجتماعي في آن واحد، محفوف بنظرة المجتمع أحيانا، وبتساؤلات الزملاء الأصغر سنا أحيانا أخرى. 

ورغم ذلك، كان الإيمان بالقدرة على التعلم أقوى من كل المخاوف.

لم تكن مغامرتي الأكاديمية ترفا أو تفرغا خالصا. 

فقد كان لزاما عليّ أن أوفق بين محاضرات الجامعة، وتحضير البحوث العلمية، والمشاركة في الأشغال التطبيقية، وبين مسؤولياتي كرب أسرة ومعيل يكدح من أجل لقمة العيش وتربية الأبناء. 

لقد تحولت أيام الأسبوع إلى رزنامة محكمة، لا مكان فيها للفراغ أو الهدر، فكل لحظة تستثمر بين البيت، العمل، والدراسة.

أما الحضور المنتظم في قاعات الدراسة فكان تحديا بحد ذاته، وسط التزاماتي المهنية والعائلية. الإرهاق البدني، والضغط النفسي، وصعوبة استيعاب المقررات الحديثة بعد سنوات الانقطاع... 

كلها عقبات لم تكن سهلة، لكنها لم تكن كافية لإطفاء جذوة الحلم. فقد كنت مدركا أن لكل نجاح كلفة لا بد من دفعها.

في السنة الأخيرة، ازداد الضغط مع إنجاز البحوث العلمية، خاصة بحث التخرج الذي كان جزءا أساسيا من متطلبات الحصول على شهادة الماجستير في تسيير المشاريع. 

لم يكن الأمر مجرد جمع معلومات أو تلخيص مراجع، بل كان عملا أكاديميا يتطلب جهدا نقديا ومنهجية صارمة في عالم تضج فيه المعلومات وتتنافس فيه الآراء.

أما اختيار هذا التخصص بالذات فلم يكن اعتباطيا، بل جاء ثمرة وعي وتجربة حياة. لقد اخترت مجال تسيير المشاريع لما له من أهمية في تطوير القدرات الإدارية، وتحسين أداء العمل، وتمكين الإنسان من أدوات حديثة لتسيير الأعمال والمبادرات التنموية بكفاءة واحترافية. 

أردت أن أجعل من هذه الشهادة بوابة لتعزيز تجربتي المهنية، وتطوير مهاراتي في الإدارة وتخطيط المشاريع، وفتح آفاق جديدة على مستوى العمل والمجتمع.

الدروس والعبر

إنها قصة تختصر معاني المثابرة والالتزام، وتقدم دروسا عملية لكل من يظن أن قطار التعلم قد فاته:

  1. العمر لا يمكن أن يكون عائقا أمام التعلم، بل هو رصيد يدعم الرحلة ويثريها.
  2. التوفيق بين الدراسة والعمل والأسرة ممكن، شريطة الانضباط وحسن إدارة الوقت.
  3. المعرفة حين تتلاقى مع التجربة الميدانية تثمر فهما أعمق وقدرة أعلى على التأثير.
  4. التعلم المستمر لم يعد خيارا، بل ضرورة لكل من يريد أن يساير عالم اليوم المتسارع.

في نهاية المطاف، لم تكن العودة إلى مقاعد الدراسة مجرد استكمال لمسار أكاديمي بشهادة جديدة، بل كانت استعادة للأمل في الذات، وإثباتا بأن النجاح لا يعرف عمرا، وإنما يعرف إرادة تصنع وتنير الطريق رغم كل التحديات، وقد تكلل هذا المسار بحصولي على شهادة الماجستير في تسيير المشاريع بمعدل مشرف جدا ولله الحمد.