الخطر ليس عرقي بل الإقصاء الممنهج

بواسطة mohamed

أفكار ورؤى منبوذة تشهدها موريتانيا منذ سنوات وتتجسد تلك الأفكار في خطابات تحرض على الكراهية وتدعو للتطرف بهدف زعزعة وحدة شعب مسالم بدأ بالفعل وبقناعة تامة يتخلّص من ميراث عهد السيبة، ولكنه ما زال يحتاج الكثير من الوقت والعمل برفق وكياسة لتصبح ثنائية المواطنة الصالحة والديمقراطية الناضجة هي التي تسير حياته العامة وسلوكه اليومي. 

وبالقراءة الشاملة لواقعنا يُلاحَظ بشكل واضح ورغم تهافت أصحاب تلك الأفكار الهدامة الساعية لتفكيك وحدتنا الوطنية، أننا ولله الحمد كنا نعيش منذ أمدٍ بعيد في انسجام اجتماعي رغم الفوارق الطبقية الكبيرة والتعددية "اللغوية" بين مكونات شعبنا، وكذلك رغم حالات البؤس التي مر بها هذا الوطن من قبل. كما أنه لا وجود لقوانين تفرض أفضلية فئة على فئة أو جهة على جهة أو تفرض احتكار خدمات عمومية لفئة معينة على حساب أخرى، فالكل متساوٍ أمام القانون في الحقوق والواجبات، وإن كان هناك نقص كبير في دور النخبة والمجتمع المدني لمراقبة التزام السلطات بالقوانين وتوعية المواطن البسيط بحقوقه وواجباته والطرق القانونية الكفيلة بحمايته. 

لقد تغلغلت خطابات الكـراهـية في عقول بعض أبناء بلدنا عبر جهات عدة، فكانت البداية من أعداء الوطن في الخارج من أجل محاسبتنا على رفضنا القبول باتفاقيات اقتصادية مجحفة في حق وطننا، في معركة استمرت لسنوات وانتهت بانتصار بلادنا، وهي مرفوعة الرأس حيث لم نقبل بتلك الاتفاقيات المعلبة المناقضة لسيادتنا كدولة لها كامل الحق في تحديد شروط استغلال المستثمر الأجنبي لمواردها الوطنية في إطار القوانين المنصوص عليها بمدونة الاستثمار المعمول بها في البلد.

كما انتصرت بلادنا دون أن ترضخ لتلك الضغوط والاستفزازات التي استخدمت فيها مجموعة من كل المكونات أغلبها تم استغلاله في تلك المعركة دون وعي منها وقلة قليلة هي التي كانت تنسق من أجل مصالح شخصية ضيقة. 

إن الخطر الحقيقي الجديد والذي يستوجب منا جميعا الوقوف صفا واحدا في وجهه هو ثنائية الإقصاء الممنهج الذي تعمل عليه طبقة من رموز هذا النظام لجعلها دولة بين مجموعة من الأسر المحددة ،وكذلك النزول بالخطاب السياسي لمستنقع إذكاء النعرات العرقية وتشجيع الشباب على العنف والكـراهـية من أجل تسجيل حضور بعض الأطراف السياسية بعد إفلاس خطاباتها اللاواقعية.

 وبدون وقوفنا جميعا في وجه هذه الثنائية الخطيرة سيتحول تنوعنا إلى وسيلة للبعض يفرض من خلالها مخططاته لكسب مصالحه الشخصية، القبلية، الجهوية؛ حتى لو تطلب ذلك العمل على تفكيكنا وإشعال نار الفتنة بين مكوناتنا لا قدر الله. 
لذا يجب على السلطات الشروع فورا في خطة عملية واضحة وجادة لمواجهة هذه الممارسات الخطيرة على وحدتنا الوطنية وأمننا القومي واستقرارنا السياسي، ومحاسبة كل مسؤول يسعى لمنع المواطنين من حقوقهم المشروعة وعدم التقيد بالقوانين التي لا تسمح بوجود امتياز لأسر معينة على باقي أبناء الوطن وكذلك التصدي للمجموعات التي تسعى لبث خطابات الكـراهـية بشكل صارم وجاد، حتى يكون ذلك عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بوحدتنا الوطنية من أجل مشاريعه السياسية أو صراعاته الشخصية أو عقدته الجهوية. 

كما يجب على النخبة المؤمنة بفكرة الوطن الجامع أن تكثف من حضورها في شتّى الميادين وتنخرط في دعم وصيانة المشاريع الحكومية وغير الحكومية الهادفة إلى المزيد من العدالة الاجتماعية وتسليط الضوء على رموز فكرة توريث المناصب لجعلها دولة بين مجموعة من النافذين منذ الاستقلال إلى اليوم. 

أحمدو ولد محمد فال ولد أبيه 
ناشط سياسي/ مستشار جهوي بولاية الحوض الغربي