كيف يستعيد المدرِّس زمام المبادرة ؟

بواسطة mohamed

مع بداية شهر أكتوبر يعود المدرسين والتلاميذ الى قاعات الدرس بعد  فترة من التوقف لالتقاط الأنفاس وتغيير الأجواء خلال  من أجل نيل قسط من الراحة و استعادة النشاط قبل استئناق عام دراسي جديد.
لكن هل تغيير بيئة عمل المدرِّس أو سفر التلميذ بعيداً عن مكان دراسته يعد كافياً لشحذ الهمم بشكل مستديم؟
أو إعادة التلميذ الى الطريق القويم؟
أم أنه مجرد هروب مؤقت ثم العودة لمواجهة ماليس منه بد بنفس الأسلوب والروتين؟
إن النَّاظر الى الوسط المدرسي يشاهد بجلاء أن هنالك فجوة تتسع بشكل مضطرد بين المدرِّس والتلميذ في ظل عدم مراعات تغير أنماط السلوك والحياة .
فلم يعد التلميذ اليوم ذلك الغر الذي يندهش من مجرد رؤية المدرسة أو الجلوس في الصف وسط جمع من أقرانه ولايجرؤ على الكلام إلا بإذن من مدرسه أو التفكير خارج إطار بيئته البسيطة.
ولم يعد المدرس ذلك الرجل المهاب الذي يبث  اسمه الرعب في قلوب الأطفال حين يرونه أو يسمعون صوته في الجوار فيهرعون الى دفاترهم خوفاً من العقوبة.
وبدل مواجهة هذه الحقيقة ومحاولة البحث عن تصور لتضييق الهوة بين الاثنين نتجه عادة لإلقاء اللوم 
على التلميذ ونلعن جيل اليوم وكأن ذلك كافياً لتبرئة أنفسنا من فسادهم وإفسادهم.
لكن الحقيقة هي أن المدرِّس يتحمل جزءً كبيراً من المسؤولية عما هو حاصل.
فصعوبة التعامل مع التلاميذ اليوم جعلت المدرِّس في عزلة عن التلاميذ أفقدته السيطرة و المبادرة وبات في وضعية دفاعية يحاول عبرها إنقاذ مايمكن إنقاذه من هيبته عبر تجنب الإحتكاك مع التلاميذ أو الغوص معهم في أي شيء يخص حياتهم خارج إطار الدرس الذي يفترض أن يكون فرصة حتى يستنطقهم ليفهم خلفياتهم وأفكارهم ومشاكلهم من أجل خلق بيئة صحية خصبة للتَّعلم داخل إطار من الإنسجام والتفاهم يفرضه كل مدرِّس حسب تجربته وخبرته.
لكن المدرِّس اليوم سلَّم للتلميذ المباردة عبر تراجعه خطوة للوراء فصار غريباً داخل القسم وفي ساحة المدرسة تُلقى حوله النكات ويسمع الكلام الساقط عن قرب وترفع عليه الأصوات أو يعتدى عليه بالضرب لأنه اختار الانسحاب بدل المواجهة.
ولاشك أن الوضع سيكون أصعب مع مرور الزمن إذا لم يعد المدرس ليتولى زمام المبادرة ويتحمل مسؤوليته كمصلح لا كمتفرج.
أجيال اليوم تحتاج الى مدرِّس يناقشها حول مواقع التواصل الاجتماعي دون فرض وجهة نظره ودون أن ينعتهم بأنهم سخيفون وفارغون بل يسوق الحديث بيسر حتى يوضح الايجابيات ويبين السلبيات ومابينهما من أمور مشتبهات.
أجيال اليوم تحتاج الى مدرس يواكبهم في ظل زحمة العولمة ويخرجهم من بيئة هواتفهم وألعاب الفيديو ليلعب معهم كرة القدم ويصوب كلامهم الساقط خلال لحظات غضبهم وتوترهم.
هذه هي البيئة التي لامناص من خلقها بين التلميذ ومعلمه أو أستاذه وبذلك تكون الدراسة تحصيل علمي عبر الدروس  وتقويم سلوكي عبر التوجيه وإثراء معرفي من خلال النقاشات المفتوحة حول كل موضوع مستجد.
مدرِّس اليوم بحاجة الى أن ينزل من برجه العاجي ويتوقف عن التفكير في مرتَّبه قليلاً ويتحمل مسؤوليته مادام قد اختار أن يتولى هذه المهمة فتكاليف الإنسحاب حتماً ستكون أصعب عليه من أي تكلفة أخرى.

  ابراهيم اعل لكويري