ليس من المبالغة القول إنّ الأمم لا يخلّدها في ذاكرة الزمن سوى الرجال الذين يجسدون القيم قبل المناصب، ويجعلون من العمل مسؤولية لا وسيلة، ومن الواجب الوطني رسالة لا شعارًا , هؤلاء هم من يكتبون التاريخ بصمتهم، لا بخطاباتهم، وبمنجزهم، لا بادعائهم.
لقد أثبتت التجارب أنّ البناء الحقيقي للدول لا يتحقق إلا بوجود نخبة إدارية تؤمن بأن الوطن أكبر من المصالح، وأن النزاهة المهنية هي أعلى درجات الانتماء.
وحين يتقاطع الإخلاص مع الكفاءة، تنشأ مدرسة في العمل العام لا تخضع للمحاباة ولا للإملاءات، بل تحتكم إلى الضمير الحي، وإلى ما يمليه الواجب تجاه الوطن والمواطن.
وفي هذا الإطار، يبرز نموذج إداري يستحق التقدير لما جسّده من التزام ومسؤولية، هو مدير المباني والتجهيزات العمومية بوزارة الإسكان المهندس إبراهيم ولد اسغير.
فقد تميز الرجل بقدرته على إدارة الملفات الكبرى بروح منضبطة وواقعية عملية، تجمع بين الدقة التقنية والحرص على تحقيق المصلحة العامة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو الأجندات الشخصية.
ما يميز أداءه ليس فقط إتقانه للمسؤولية، بل ما يرافق ذلك من تواضع مهني يندر في زمن الاستعراض.
فهو ينتمي إلى فئة من رجال الدولة الذين يشتغلون أكثر مما يتحدثون، ويؤمنون بأن العمل الجاد وحده هو الذي يمنح صاحبه مكانته، لا الأضواء العابرة ولا المديح اللحظي.
إنّ أمثال هؤلاء يشكلون الركائز الحقيقية لبناء المؤسسات، لأنهم يرسخون ثقافة الدولة بدل ثقافة الأشخاص، ويعيدون الاعتبار للمرفق العمومي كخدمة وطنية لا كوسيلة نفوذ.
فحين يتولى أصحاب الكفاءة مواقع القرار، تتحول الإدارة من عبءٍ إلى طاقة، ومن جهازٍ روتيني إلى أداة تنمية.
ولعلّ تجربة المدير إبراهيم ولد اسغير تذكّرنا بأنّ الوطنية ليست في الشعارات المرفوعة، بل في الدقة التي تُنجز بها المشاريع، وفي الأمانة التي تُصان بها الميزانيات، وفي الحرص اليومي على أن تظل المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
إنّ التاريخ، في جوهره، لا يكتبه المنتصرون في السياسة، بل المخلصون في العمل, وأولئك الذين يفهمون أن أعظم وسام يمكن أن يناله الإنسان هو أن يُذكر بوصفه رجل دولةٍ وفيّ، أدى واجبه بصمت وترك أثرًا لا يُمحى.
محمد أعليوت ... صحفي