نفق شوم: شاهد صامت على مرحلة مفصلية من تاريخ السكك الحديدية الموريتانية

بواسطة mohamed

يقع نفق القطار التاريخي قرب مركز شوم الإداري في شمال موريتانيا، على الطريق الرابط بين مدينتي ازويرات وانواذيبو، ويُعد من أبرز المنشآت الهندسية التي خلّفها مشروع السكة الحديدية الموريتانية في ستينيات القرن الماضي.
تم تشييد النفق سنة 1962، ويمتد بطولٍ يقارب كيلومترين اثنين داخل الأراضي الموريتانية، في منطقة جبلية وعرة، ضمن الجهود الرامية آنذاك إلى ضمان بقاء خط القطار الذي ينقل خام الحديد من مناجم ازويرات إلى ميناء انواذيبو داخل الحدود الوطنية لموريتانيا المستقلة حديثاً.

خلفية تاريخية

يعود بناء النفق إلى فترة حساسة من تاريخ المنطقة، إذ كانت موريتانيا قد نالت استقلالها عام 1960، بينما ظلت الصحراء الغربية تحت السيطرة الإسبانية. 

وعندما خُطط لمسار السكة الحديدية، واجهت السلطات الموريتانية تحدياً جغرافياً وسياسياً؛ فالمسار الطبيعي للخط كان سيمر بجزء صغير من الأراضي التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني.
ورفضت فرنسا، التي كانت تتولى الإشراف التقني على المشروع حينها، الشروط التي وصفتها بالمجحفة من جانب السلطات الإسبانية للسماح بمرور القطار عبر أراضيها، ما دفع المهندسين إلى اختيار حلٍّ بديل يتمثل في شق نفق ضخم داخل الجبال الموريتانية لتفادي العبور من الأراضي المتنازع عليها.

من مَعْبَر استراتيجي إلى مَعْلَم مهجور

ومع مرور السنوات وتغير الظروف السياسية، تم تعديل مسار القطار لاحقاً، ما جعل النفق يفقد أهميته التشغيلية ويُترك في طيّ الإهمال. 

وبات اليوم مهجوراً، لكنه لا يزال يحتفظ بهيبته المعمارية، إذ يشهد على قدرٍ كبير من الجهد الهندسي الذي بُذل في فترة كانت فيها التقنيات محدودة والظروف الميدانية قاسية.

وقد تحول النفق تدريجياً إلى وجهة فضولية للزوار والباحثين المهتمين بتاريخ البنى التحتية الموريتانية والاستعمارية في المنطقة، إذ يعكس تداخلاً فريداً بين الجغرافيا والسياسة والاستقلال الوطني.

وصف متناقض في المصادر الأجنبية

بعض المصادر الأجنبية تناولت هذا النفق من منظور نقدي، ووصفت المشروع بأنه "نصب للغباء الأوروبي في إفريقيا"، في إشارة إلى التعقيد الكبير والكلفة العالية التي ترتبت على تصميمه في سبيل تجنّب المرور بعدة مئات من الأمتار فقط داخل الأراضي الإسبانية آنذاك.
ورغم هذه الانتقادات، يرى باحثون موريتانيون أن النفق يمثل رمزاً لإرادة السيادة الوطنية وحفاظ الدولة الموريتانية الفتية على قرارها واستقلاليتها في وجه القوى الاستعمارية.

رمزية خالدة

بعد أكثر من ستة عقود على بنائه، ما زال نفق شوم يثير الإعجاب والتساؤل في آنٍ واحد. فهو من جهة معلم هندسي فريد يجسد طموحات دولة ناشئة في بداياتها، ومن جهة أخرى رمز سياسي وتاريخي يعكس تعقيدات مرحلة ما بعد الاستقلال.
ورغم الإهمال الذي طاله، تبقى الدعوات قائمة لترميمه وتحويله إلى موقع تراثي وسياحي يوثق إحدى الصفحات المثيرة من تاريخ البنية التحتية والنزاعات الحدودية في المنطقة.